زواجها وحكمها:
أرسل الأمير نجم الدين بأمرٍ من والده، لولاية وحكم حصن كيفا ( وهو حصن من حصون المشارق يقع على حدود تركستان). ثم وردت إليه أنباء من القاهرة، تقول بأن أباه الملك الكامل قد عين أخاه الصغير أبا بكر(الملك العادل) ولياً للعهد بدلاً منه، وكانت أمه أقرب إلى قلب الملك من أم الأمير نجم الدين. غضب الأمير نجم الدين من تصرف الملك؛ لأن أخاه كان طائشاً، ولأن الدولة كانت في خطر من كل الجوانب، ويتربص بها الأعداء من الصليبين والمغول. أقسم الأمير نجم الدين أن الخلافة لن تكون لغيره بعد أبيه. وبدأ بالمقاومة، لأنه أرشد من أخيه، وأحق منه في الخلافة. وكانت شجرة الدر نعم الزوجة، فحرصت على دعم زوجها بتشجيعه وتأييده، وساعدته في الوصول إلى حقه المغتصب .
في هذه الفترة كانت شجرة الدّر قد أنجبت له ولداً أسماه خليل، حيث توجه الأمير نجم الدين إلى القاهرة، ومعه زوجته وابنهما، وبطانته المؤلفة من عشرات الجنود فقط، وبعض المماليك، وعلى رأسهم (بيبرس، وأيبك، وقلاوون، وآق طاي)، وبينما هم في طريقهم انقض عليهم جيش الملك الناصر داوود، وهم ابن عم نجم الدين والي إمارة الكرك والشوبك، وما يليهما من أرض الأردن. وأسرهم في قلعة الكرك عام (63) هـــ ، ثم أرسل إلى الملك العادل يخبره بما حدث ويطلب منه ثمن جلوسه على عرش الشام.
استمر سجنهم سبعة أشهر، كان الملك الناصر خلالها يساوم الملك العادل في القاهرة على الأمير نجم الدين، أما زوجته شجرة الدر فقد وفرت له كل أسباب الراحة، وبثت التفاؤل في نفسه، خلال مدة الأسر.
ولاية الملك :
قامت بوضع خطة مع زوجها، وذلك باتفاق وزوجها مع خصمهِ الملك الناصر، على أن يطلق سراح نجم الدين ليستولي على عرش مصر ومن ثم، يقدم له عرش الشام ونصف الخراج، ثم سار الملك الصالح إلى القاهرة وهزم أخاه العادل نجم الدين، وأسره في قلعة صلاح الدين. وهكذا بلغت شجرة الدر مرادها، حيث قاسمت زوجها المجد والسلطة. كانت شجرة الدر قادرة على تسيير الجيوش للحرب، وذلك عندما تعرضت مصر لحملة الصليبين. ويقال أن الملك لويس التاسع شن الحملة، ليوفي بنذره، بعد أن شفي من مرضه، فجهز جيشاً وأبحر من مرسيليا عام 1249.
وفي هذه الأثناء كان الملك الصالح مريضاً، إلا إنه استعد للأمر، واتخذ من المنصورة مركزاً للقيادة العامة، وولاها للأمير فخر الدين نزولاً عند رغبة شجرة الدر، التي أثبتت أنها قادرة على مواجهة الصعاب، وأقسمت لزوجها على أن الصليبين سيقتلون في حملتهم. وبعد وصول الغزاة إلى مصر عام 1249.
ظهرت حكمة وذكاء شجرة الدر، حيث أخفت نبأ وفاة الملك، لعدة أسباب أهمها الخوف من حدوث البلبلة في الدولة، وبخاصة صفوف الجيش، وحتى تتغلب على العدو، وكذلك حتى لا ينصرف اهتمام أمراء بني أيوب والمماليك إلى تولي العرش، وساعدها على ذلك الأمير فخر الدين. واستمر الحال في القصر الملكي كالسابق. ولكن عندما لاحظت شجرة الدر،أن خبر وفاة زوجها أوشك أن ينكشف وأن العدو أيضاً على وشك الانهزام. قامت باستدعاء، ابن زوجها تورانشاه وأمرت رجال الدولة والجيش أن يحلفوا له يمين الولاء، وأن يدعى لها على المنابر في المساجد؛ وذلك لتبقى السلطة في يدها، وتعرف أمور الدولة كما تشاء. وذلك إن دل فيدل على ذكائها ودهائها.
وقبل وصول تورانشاه، قامت شجرة الدر بوضع خطة حربية مع القوات، وأمراء المماليك وظلت تشرف على تنفيذها، ومراقبة سير المعركة في المنصورة عن قرب.
وبلغ من حماسها أنها كانت تعاون الأهالي مع الجنود، في صد هجمات الأعداء والرد عليهم، حتى انتصر المسلمون عام 1250.
لم يدم حكم تورانشاه أكثر من شهرين، وذلك لفساده وطغيانه، وقام بإبعاد رجال الدولة الأكفاء، وأخذ يهدد زوجة أبيه شجرة الدر، ويطلب ما تبقى من ثروة أبيه ولم يكتف بذلك، بل قام باستفزاز مماليك البحرية، حتى لقي مصرعه على يد بيبرس. وافق الكل في مصر على تولي شجرة الدر العرش، بعد مصرع تورانشاه. كان عهد شجرة الدر زاهياً وزاهراً، أظهرت خلاله قدرتها وجدارتها في الحكم. وتنعم الفقراء بحسناتها، إذ كانت ملكة عاقلة لبيبة، على علم تام بنفسية الشعب ومتطلباتهم. لم تكن حكومتها استبدادية، لا تشرع في عمل من الأعمال حتى تعقد مجلس المشاورة، ولا تصدر قراراً إلا بعد أخذ رأي وزرائها ومستشاريها. وقامت بنشر راية السلام أيضاً، فأمن الناس خلال فترة حكمها، في عصرها نبغ العديد من الأدباء والشعراء المصريين مثل، بهاء الدين زهير، وجمال الدين بن مطروح وفخر الدين بن الشيخ.
وفي عهدها أيضاً قامت بعمل جيد، وهو تسيير المحمل كل عام من مصر إلى الحجاز في موسم الحج، ولم تزل عادة تسيير المحمل المصري متبعة إلى اليوم، فهو يذهب كل عام إلى بيت الله الحرام حاملاً كسوة الكعبة، والمؤن والأموال لأهل البيت، مصحوباً بفرقة كبيرة من الجيش لحماية الحجاج.
عرفت شجرة الدر بعدة ألقاب خلال حكمها مثل الملكة عصمة الدين، والملكة أم خليل، وأخيراً الملكة شجرة الدر أم خليل المستعصمية، نسبة إلى الخليفة المستعصم، وذلك خوفاً من أن لا يعترف بها الخليفة العباسي، الذي كان يجلس على عرش العباسيين في بغداد آنذاك. ودعي لها على المنابر، كدعاء الخطباء كل جمعة في المساجد.
كما أصبحت الأحكام تصدر باسمها، ونقش إسمها على الدراهم والدنانير، ولم يرق للعباسيين أن تتولى امرأة عرش مصر، مما أدى إلى نشوب الكثير من الخلافات بين الأمراء والزعماء في مصر والشام ولذلك اتخذت من الأمير عز الدين أيبك مقدماً للعساكر، ثم تزوجته، وبفعلتها هذه أمنت كلام الناس واعتراض العباسيين لها، وقبل أن يعقد عليها اشترطت على أن يطلق زوجته ويتخلى عن ولده المنصور علي، حتى لا ينتقل العرش إلى ابنه، وأطلق عليه اسم الملك المعز.
نهايتها ووفاتها:
مرت الأيام إلى أن أصبح زمام الأمور داخل مصر وخارجها، في يد زوجها الملك المعز. وبلغها أن زوجها يريد خطبة ابنة الملك بدر الدين لؤلؤ، صاحب الموصل، فساءت العلاقات بين شجرة الدر وبين الرجل الذي وثقت به، وجعلته ملكاً.
وكادت تفقد عقلها من شدة الحقد والغيرة، وعلمت أيضاً انه ينوي، إنزالها من قصر القلعة إلى دار الوزارة في القاهرة، وذلك ليتفادى الجدل والخصام معها، وحتى يتم تهيئة القلعة، لاستقبال العروس الضرة.
غضبت شجرة الدر غضباً شديداً، لما فيه من جرح لمشاعرها وكبريائها، وخاصة بعد تأكدها من عزيمته في التخلص منها، فكان لابد من التخلص منه.
دعته ذات يوم واستقبلته بصدرٍ رحب وبشاشة، وكأن شيئاً لم يحدث بينهما، حتى شعر بالطمأنينة ودخل الحمام، وأنقض عليه خمسة من غلمانها الأقوياء، وضربوه إلى أن مات. ثم أذيع بأن الملك المعز توفي فجأة، ولكن لم يصدق الناس هذا النبأ.
حاولت شجرة الدر أن يجلس أحد الأمراء المماليك على العرش لكي تحتمي بهِ، إلا أن محاولاتها بائت بالفشل، والتجأت إلى البرج الأحمر في القلعة عام 1257. ولكنها لم تنجُ بفعلتها، حيث تم القبض عليها من قبل الأمراء المناصرين لزوجها القتيل، وفرض عليها السجن المنفرد، ولاقت فيه ألواناً مختلفة من العذاب والهوان. ومن ثم تدخلت أم علي وهي زوجة الملك المعز الأولى، وحرضت ابنها علي على قتلها انتقاماً لأبيه.
وهناك مراجع أخرى تقول بأنه، تم قتلها على يد الجواري اللاتي واصلن ضربها بالقباقيب إلى أن فارقت الحياة. وهكذا عاشت شجرة الدر، مكرمه وجليلة، ذات نفوذٍ وقوة، ولكنها ماتت ميتةٍ ذليلة ومهينه.
إن سيرة شجرة الدر، مازالت تروى، وهناك العديد من النساء من تتمنى أن تقوم بشخصية شجرة الدر، وذلك لقوة نفوذها، وذكائها ودهائها، وقدرتها العجيبة في الحكم، وقد خلد التاريخ ذكراها، وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر، إلا أن غيرتها على كبريائها وكرامتها، كانت السبب الذي دفعها لارتكاب تلك الجريمة، التي أسقطتها من قمة الشهرة وقضت عليها.